فصل: باب قبض المأذون في البيوع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب البيع الفاسد من المأذون:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ جَازَ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا مِنْ الْعِتْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا يَجُوزُ لَهُ فِي شِرَائِهِ مِنْ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ مِنْ نَوْعِ التِّجَارَةِ وَالْمَأْذُونُ فِيهِ كَالْحُرِّ وَالْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ صَارَ مَالِكًا الْمَبِيعَ فِي الْوَجْهَيْنِ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ لِمُصَادِفَتِهِ مِلْكَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَأْذُونُ لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ فِيهِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ مَا يَنْفُذُ فِي الشِّرَاءِ الصَّحِيحِ فَيَكُونُ ضَامِنًا قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ لَتَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ مِنْ الْعَبْدِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ كَالْتِزَامِ ضَمَانِ الثَّمَنِ فَإِذَا غَلَّتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي غَلَّةً ثُمَّ بَاعَهَا الْمَأْذُونُ مِنْ رَجُلٍ فَالْغَلَّةُ تَسْلَمُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ حِينَ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَبِعْهَا وَلَكِنْ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ فَالْغَلَّةُ مَرْدُودَةٌ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِفَسَادِ الْعَقْدِ يَفْسَخُ الْبَيْعَ مِنْ الْأَصْلِ وَالْمُشْتَرَاةُ شِرَاءً فَاسِدًا كَالْمَغْصُوبَةِ فِي أَنَّهَا تُرَدُّ بِزَوَائِدِهَا الْمُنْفَصِلَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ فَتُرَدُّ الْغَلَّةُ أَيْضًا، ثُمَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ حَصَلَتْ لَا عَلَى مِلْكِهِ وَلَا عَلَى ضَمَانِهِ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي بَاعَ الْجَارِيَةَ أَوْ الْغُلَامَ بَيْعًا فَاسِدًا، ثُمَّ أَغَلَّ غَلَّةً عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي فَالْغَلَّةُ لَهُ لِتَقْرِيرِ مِلْكِهِ فِي الْأَصْلِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ حِينَ حَصَلَتْ كَانَ مِلْكُهُ فِيهَا بِسَبَبٍ فَاسِدٍ وَالْمَبِيعُ كَالْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِ تُسْتَرَدُّ بِزَوَائِدِهَا الْمُنْفَصِلَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ، وَلَوْ رَدَّهُمَا مَعَ الْغَلَّةِ عَلَى الْمَأْذُونِ لَمْ يَتَصَدَّقْ الْمَأْذُونُ بِشَيْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ هُوَ الْمُشْتَرِيَ فَلَا يَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَا يَحْتَمِلُ الصَّدَقَةَ وَالْغَلَّةُ صَارَتْ مِنْ أَكْسَابِهِ فَلَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهَا شَرْعًا لَكِنْ إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَخَذَ الْغُرَمَاءُ الْغَلَّةَ قَضَاءً مِنْ دَيْنِهِمْ وَلَمْ يَتَصَدَّقُوا بِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهَا بَدَلًا عَنْ دَيْنِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَنْبَغِي لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْمَأْذُونِ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَتَصَدَّقَ كَانَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهَذِهِ الْغَلَّةِ فَكَذَلِكَ مَنْ يَخْلُفُهُ، وَهُوَ الْمَوْلَى مِنْ أَهْلِ التَّصَدُّقِ فَيُحْتَسَبُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا.
وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ بَيْعًا فَاسِدًا وَسَلَّمَهَا فَبَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَأْذُونِ أَوْ مِنْ وَكِيلِ مَوْلَاهُ بَيْعًا صَحِيحًا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَأْذُونِ كَسْبَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُصَادِفُ مِلْكَ الْمَوْلَى فَهُوَ فِي حُكْمِ النَّائِبِ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ فَالرَّدُّ لِأَجَلِ الْفَسَادِ مُسْتَحَقٌّ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ عَلَى الْمَوْلَى كَمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِذَا بَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَكُونُ نَقْضًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَيْضًا وَبَيْعُهُ مِنْ وَكِيلِ الْمَوْلَى كَبَيْعِهِ مِنْ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَهُوَ بَيْعٌ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي إيَّاهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَيَكُونُ لَهُ الثَّمَنُ عَلَى مَنْ بَاعَهَا مِنْهُ وَإِنْ بَاعَهَا مِنْ عَبْدٍ آخَرَ لِلْمَوْلَى بِأَجْرٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ الْآخَرِ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَهُوَ نَظِيرُ بَيْعِهَا مِنْ وَكِيلِ الْمَوْلَى وَلَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهَا إلَّا بِرَدِّهَا عَلَى الْمَأْذُونِ أَوْ عَلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ فَبَقِيَ الضَّمَانُ بَعْدَ انْتِقَاضِ الْعَقْدِ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ فَهُوَ بَيْعٌ جَائِزٌ أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْبَائِعِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ الْمَوْلَى كَانَ بَيْعًا جَائِزًا فَكَذَلِكَ مِنْ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَهُوَ فِي هَذَا الشِّرَاءِ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ لِمَوْلَاهُ بَلْ لِغُرَمَائِهِ فَبَيْعُهَا مِنْهُ كَبَيْعِهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَتَقَرَّرُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ لِلْمَأْذُونِ وَلَهُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَإِذَا بَاعَهَا مِنْ مُضَارِبِ الْمَأْذُونِ الْبَائِعِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ لِلْمُضَارِبِ فِيمَا يَشْتَرِي حَقًّا فِي الرِّبْحِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ بَيْعِهِ وَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ مِنْ الْمُضَارِبِ جَازَ فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَهَا مِنْ مُضَارِبِ الْبَائِعِ جَازَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهَا مِنْ مُضَارِبِ الْمَوْلَى وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ ابْنِ الْمَوْلَى أَوْ أَبِيهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ بَاعَهَا مِنْ الْمَوْلَى لِابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ فِي عِيَالِهِ فَهُوَ كُلُّهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْحَاصِلَ لِهَؤُلَاءِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ دُونَ تَصَرُّفِ مُضَارِبِ الْبَائِعِ وَإِذَا ثَبَتَ صِحَّةُ الشِّرَاءِ الثَّانِي هُنَاكَ فَهَهُنَا أَوْلَى، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا وَكَّلَ الْمَوْلَى بِشِرَائِهَا فَاشْتَرَى لَهُ أَوْ وَكَّلَ الْمَأْذُونَ بِشِرَائِهَا لَهُ فَاشْتَرَاهَا لَهُ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لِلْآمِرِ وَكَانَ الثَّمَنُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ بِهِ الْعَبْدُ عَلَى الْآمِرِ وَلِلْعَبْدِ عَلَى الْآمِرِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ فَتَكُونُ الْقِيمَةُ قِصَاصًا بِالثَّمَنِ وَيَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى الْآمِرِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْعَقْدُ الثَّانِي مُوجِبًا حُكْمًا فِي الْمِلْكِ وَالضَّمَانِ غَيْرِ الْحُكْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ حُكْمًا آخَرَ سِوَى مَا كَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ وَالضَّمَانِ فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي وَكَّلَ إنْسَانًا بِشِرَائِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي لَهُ فَفَعَلَ وَقَبَضَهَا فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشِّرَاءَ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ وَالضَّمَانِ لَا يُوجِبُ إلَّا مَا كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ بِشِرَاءِ الْوَكِيلِ يَقَعُ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ وَبِقَبْضِ الْوَكِيلِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَائِهَا لَهُ فَهَذَا وَشِرَاءُ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَإِذَا قَتَلَهَا الْمَأْذُونُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِتْلَافِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهَا وَزِيَادَةً.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْإِتْلَافِ يَصِيرُ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ فَوَقَعَتْ الْجَارِيَةُ فِيهَا أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْنَعْهَا الْمُشْتَرِي مِنْهُ حَتَّى مَاتَتْ مِنْ حَفْرِهِ فَهُوَ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِالْحَفْرِ صَارَ جَانِيًا عَلَى الْوَاقِعِ فِي بِئْرِهِ عِنْدَ الْوُقُوعِ حُكْمًا فَكَأَنَّهُ حَفَرَ بِيَدِهِ وَالْبَائِعُ إذَا أَتْلَفَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَوْ عَيَّبَهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ هَهُنَا مُسْتَحَقٌّ كَالْقَبْضِ هُنَا إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ مَنَعَهَا مِنْهُ بَعْدَ التَّعْيِيبِ بَطَلَ حُكْمُ اسْتِرْدَادِهِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ بِمَنْعِ الْمُشْتَرِي كَمَا يَبْطُلُ حُكْمُ قَبْضِ الْمُشْتَرِي بِمَنْعِ الْبَائِعِ بَعْدَ مَا عَيَّبَهَا الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ فَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُتَمَكِّنٌ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا لِفَسَادِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْعَبْدِ وَكَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْبَائِعَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْمَوْلَى غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَكُونُ هُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فِيمَا فَعَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ قِيمَتُهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَجِبُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ إذَا حَدَثَ الْمَوْتُ مِنْ فِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ حَدَثَ الْعَيْبُ مِنْ فِعْلِهِ وَالْمَوْتُ مِنْ غَيْرِهِ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا بِسَبَبِ الْقَبْضِ وَتَعَذَّرَ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي مَالِهِ حَالًّا؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَصَلَ بِجِنَايَةِ الْمَوْلَى فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمَمَالِيكِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَمْوَالِ فِي أَنَّهُ يَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي حَالًّا وَإِنْ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا الْمَأْذُونُ فِي دَارِ مِنْ تِجَارَتِهِ فَمَاتَتْ أَوْ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا الْمَوْلَى فِي مِلْكِهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْحَافِرَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ جَانِيًا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِتْلَافُ مُضَافًا إلَيْهِ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي التَّسَبُّبِ فَإِذَا لَمْ يَصِرْ مُضَافًا إلَيْهِ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي كَانَ هَذَا وَمَوْتُهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي سَوَاءً يُعْطِي الْمُشْتَرِي ضَمَانَ قِيمَتِهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.باب قبض المأذون في البيوع:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَحُكْمُ الْمَأْذُونِ فِي قَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ بِالْيَدِ أَوْ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ كَحُكْمِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِالشِّرَاءِ كَمَا لِلْحُرِّ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَنَقَصَهَا الْوَطْءُ أَوْ لَمْ يُنْقِصْهَا، ثُمَّ مَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ الْوَطْءِ قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَبْدِ فَعَلَى الْعَبْدِ جَمِيعُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ كَالْمُسْتَوْفَى بِالْجِنَايَةِ، ثُمَّ الْوَطْءُ مِنْ الْحُرِّ يُجْعَلُ قَبْضًا فَكَذَلِكَ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُفَارِقُ الْحُرَّ فِي ذَلِكَ إلَّا فِي حُكْمِ الْحَلِّ وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْحَلِّ بَلْ بِاعْتِبَارِ تَمَكُّنِهِ مِنْ قَبْضِهَا وَالتَّخَلِّي بِهَا حَالَةَ الْوَطْءِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ اسْتِيفَاءُ جُزْءٍ مِنْهَا حُكْمًا وَفِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْهُ لَمَّا كَانَ قَبْضًا فَإِقْرَارُهُ بِالْوَطْءِ كَإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِقَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ صَحِيحٌ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ مِنْ رَجُلٍ كُرَّ حِنْطَةٍ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ بِثَمَانِينَ دِرْهَمًا فَصَبَّ الْعَبْدُ فِيهِ مَاءً قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَأَفْسَدَهُ فَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِينَ دِرْهَمًا، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ بَعْدَ ذَلِكَ صَبَّ فِيهِ مَاءً فَأَفْسَدَهُ فَصَارَ يُسَاوِي سِتِّينَ دِرْهَمًا فَالْمَأْذُونُ بِالْخِيَارِ لِلتَّغْيِيرِ الْحَاصِلِ فِيهِ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ بِمَا صَنَعَ صَارَ مُسْتَرِدًّا مُحْدِثًا لِلْعَيْبِ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْعَبْدِ الرِّضَا بِذَلِكَ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ اخْتَارَ أَخَذَ الْكُرَّ أَخَذَهُ بِأَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ صَارَ مُتْلِفًا خُمُسَ الْمَبِيعِ فَسَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَذَلِكَ الْخُمُسُ وَخُمُسُ ثَمَانِينَ سِتَّةَ عَشْرَ فَإِذَا سَقَطَ مِنْ الْمُشْتَرِي سِتَّةَ عَشْرَ دِرْهَمًا بَقِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ فَإِنْ قِيلَ أَتْلَفَ الْبَائِعُ رُبُعَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حِينَ أَفْسَدَهُ الْبَائِعُ كَانَ ثَمَانِينَ وَقَدْ تَرَاجَعَ إلَى سِتِّينَ قُلْنَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَا أَتْلَفَ الْبَائِعُ مِنْ الْمَبِيعِ وَالْمَبِيعُ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَالْجُزْءُ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي تَقَرَّرَ الْبَيْعُ فِيهِ وَلَمْ يُنْتَقَضْ؛ فَلِهَذَا سَقَطَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ خُمُسُ الثَّمَنِ فَإِنْ تَرَكَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِمَا أَفْسَدَ؛ لِأَنَّ الْكُرَّ بِعَيْنِهِ قَدْ رَجَعَ إلَى الْبَائِعِ فَإِنَّمَا بَقِيَ الْفَائِتُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي مُجَرَّدَ الْجَوْدَةِ وَلَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ وَقَدْ صَارَ الْبَائِعُ رَاضِيًا بِذَلِكَ حِينَ اسْتَرَدَّهُ بِالْإِفْسَادِ بَعْدَ فِعْلِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ الْمُشْتَرِي النُّقْصَانَ عَادَ إلَيْهِ الْكُرُّ تَامًّا مَعَ زِيَادَةِ دَرَاهِمَ، وَذَلِكَ رِبًا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ أَفْسَدَ الْكُرَّ بِصَبِّ الْمَاءِ فِيهِ، ثُمَّ اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَخْذَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبِ النُّقْصَانَ فَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ فَإِنَّا لَوْ أَسْقَطْنَا عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّةَ مَا أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا بَلْ يَسْلَمُ الْكُرُّ لِلْمُشْتَرِي بِأَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا، وَذَلِكَ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ خُمُسِ الثَّمَنِ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي صَبَّ فِيهِ الْمَاءَ أَوَّلًا، ثُمَّ الْمُشْتَرِي صَبَّ فِيهِ الْمَاءَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا بِالتَّعْيِيبِ الْحَاصِلِ بِفِعْلِ الْبَائِعِ حِينَ قَبَضَهُ بِالتَّعْيِيبِ بَعْدَهُ وَيُؤَدِّي أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ دِرْهَمًا؛ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ.
وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَرَضًا أَفْسَدَهُ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا، ثُمَّ أَفْسَدَهُ الْبَائِعُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَهُ الْبَائِعُ وَإِنْ شَاءَ نَقَصَ الْبَيْعَ وَأَدَّى مِنْ الثَّمَنِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا فَيَكُونُ لِلْوَصْفِ مِنْهُ قِيمَةٌ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ بِالتَّنَاوُلِ تَصِيرُ مَقْصُودَةً وَيُقَابِلُهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ سَوَاءٌ تَنَاوَلَهَا الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْبُيُوعِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَفْسَدَهُ بَعْدَ الْبَائِعِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَسَقَطَ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَهُ الْبَائِعُ لِوُجُودِ الْقَبْضِ وَالرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ التَّعْيِيبِ الَّذِي كَانَ مِنْ الْبَائِعِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ كُرَّ تَمْرٍ جَيِّدٍ بِعَيْنِهِ بِكُرِّ تَمْرٍ رَدِيءٍ بِعَيْنِهِ فَصَبَّ الْعَبْدُ فِي الْكُرِّ الَّذِي اشْتَرَاهُ مَاءً فَأَفْسَدَهُ، ثُمَّ صَبَّ الْبَائِعُ فِيهِ مَاءً فَأَفْسَدَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَيَّبَهُ فَصَارَ مُسْتَرِدًّا لَهُ بَعْدَ تَعْيِيبِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي الرِّضَا بِذَلِكَ فَيَتَخَيَّرُ لِهَذَا إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَدَفَعَ الْكُرَّ وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِنُقْصَانِ الْكُرِّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا أَمَّا إذَا رَدَّهُ فَظَاهِرٌ وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ فَلِأَنَّهُ لَوْ اعْتَبَرَ جِنَايَةَ الْبَائِعِ هَهُنَا سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتُهُ مِنْ الْعِوَضِ فَيَصِيرُ بِأَقَلَّ مِنْ كُرٍّ، وَهُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي صَبَّ فِيهِ الْمَاءَ بَعْدَ الْبَائِعِ لَزِمَهُ الْكُرُّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا بِهِ حِينَ عَيَّبَهُ بَعْدَ الْبَائِعِ وَلَا يَسْقُطُ بِتَعْيِيبِ الْبَائِعِ شَيْءٌ مِنْ الْعِوَضِ لِأَجْلِ الرِّبَا وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ إنْ وَجَدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ بِالتَّعَيُّبِ الْحَاصِلِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِمَا صَبَّ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ مِنْ رَجُلٍ عَشَرَةَ أَرْطَالِ زَيْتٍ بِدِرْهَمٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ فِي قَارُورَةٍ جَاءَ بِهَا فَكَالَ الْبَائِعُ الزَّيْتَ فِي الْقَارُورَةِ فَلَمَّا كَالَ فِيهَا رَطْلَيْنِ انْكَسَرَتْ وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمَانِ فَكَالَا بَعْدَ ذَلِكَ جَمِيعَ مَا بَاعَهُ مِنْ الزَّيْتِ فِيهَا فَسَالَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الْعَبْدُ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا عَنْ الرَّطْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَارُورَةَ بِالِانْكِسَارِ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ وِعَاءً فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ حِينَ أَمَرَهُ بِالصَّبِّ كَانَتْ الْقَارُورَةُ صَحِيحَةً وِعَاءً صَالِحًا لِلزَّيْتِ فَيُقَيَّدُ أَمْرُهُ بِحَالِ بَقَائِهَا وِعَاءً؛ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَقْصُودِ الْمُشْتَرِي إذْ مَقْصُودُهُ كَانَ هُوَ الْإِحْرَازُ دُونَ الْإِتْلَافِ وَقَدْ صَبَّ الرَّطْلَ الْأَوَّلَ فِي الْقَارُورَةِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَصَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِذَلِكَ الرَّطْلِ بِمِلْكِهِ، ثُمَّ انْكَسَرَتْ الْقَارُورَةُ فَسَالَ ذَلِكَ الرَّطْلُ بَعْدَ مَا صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا فَيَلْزَمُهُ ثَمَنُهُ، ثُمَّ بِالِانْكِسَارِ خَرَجَتْ الْقَارُورَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ وِعَاءً فَبَطَلَ حُكْمُ أَمْرِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ الْبَائِعُ بِصَبِّ مَا بَقِيَ فِيهَا مُتْلِفًا الْمَبِيعَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُشْتَرِي فَسَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي ثَمَنُ مَا بَقِيَ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ فِيهِ بِإِتْلَافِ الْبَائِعِ.
وَإِنْ كَانَ الرَّطْلُ الْأَوَّلُ لَمْ يَسِلْ كُلُّهُ حِينَ صَبَّ الْبَائِعُ الرَّطْلَ الثَّانِيَ فِيهِ فَالْبَائِعُ ضَامِنٌ لِمَا بَقِيَ مِنْ الرَّطْلِ الْأَوَّلِ فِي الْقَارُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا انْفَسَخَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَائِعَ خَلَطَ مَا بَقِيَ مِنْ الرَّطْلِ الْأَوَّلِ فِي الْقَارُورَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ وَمَنْ خَلَطَ زَيْتَ غَيْرِهِ بِزَيْتِ نَفْسِهِ يَكُونُ ضَامِنًا لِصَاحِبِهِ؛ فَلِهَذَا ضَمِنَ مَا بَقِيَ سَوَاءٌ كَانَ نِصْفَ الرَّطْلِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْقَارُورَةُ مَكْسُورَةً حِينَ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَ فِيهَا وَلَا يَعْلَمَانِ بِذَلِكَ فَكَالَ الْبَائِعُ فِيهَا عَشَرَةَ أَرْطَالٍ فَسَالَتْ كُلُّهَا فَالثَّمَنُ كُلُّهُ لَازِمٌ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَمَرَهُ لَمْ تَكُنْ الْقَارُورَةُ وِعَاءً صَالِحًا لِإِحْرَازِ الدُّهْنِ فِيهَا فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ إيَّاهُ بِالْإِتْلَافِ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ، ثُمَّ أَمَرَ الْبَائِعَ أَنْ يُتْلِفَهُ فَفَعَلَ تَقَرَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي هَذَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْبَائِعِ بِأَمْرِ الْمُشْتَرَى كَإِتْلَافِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِي حُكْمِ الْقَبْضِ وَالْإِتْلَافِ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ سَوَاءٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِعِلْمِ الْمُشْتَرِي وَجَهْلِهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا جَهْلَهُ بِذَلِكَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ كَانَ فِيهِ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ وَكَمَا يَجِبُ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي يَجِبُ دَفْعُ ضَرَرِ الْبَائِعِ وَلِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْأَمْرِ بِالصَّبِّ فِيهِ وَمَعَ التَّصْرِيحِ لَا مُعْتَبَرَ بِجَهْلِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَتْلِفْ هَذَا الْمَالَ فَأَتْلَفَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ لِلْآمِرِ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْمَأْمُورُ شَيْئًا.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ إنَّمَا صَرَّحَ بِالْأَمْرِ بِالْإِحْرَازِ لِكَوْنِ الْقَارُورَةِ صَحِيحَةً عِنْدَ الْأَمْرِ بِالصَّبِّ فِيهَا فَلَا يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ بِالْإِتْلَافِ صَرِيحًا؛ فَلِهَذَا قَيَّدْنَاهُ بِحَالِ بَقَاءِ الْقَارُورَةِ صَحِيحَةً.
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً فَقَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَمَاتَتْ عِنْدَهُ أَوْ قَتَلَهَا مَوْلَاهَا وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُضَمِّنَ الْعَبْدَ وَلَا الْمَوْلَى قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ بِهَذَا الْقَبْضِ وَضَمَانُ الْقِيمَةِ مَعَ ضَمَانِ الثَّمَنِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَكِنَّهُ يُطَالِبُ الْعَبْدَ بِالثَّمَنِ فَيُبَاعُ لَهُ فِيهِ فَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُهُ عَنْ حَقِّهِ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى تَمَامُ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اسْتَهْلَكَهَا؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ صَارَتْ كَسْبًا لِلْعَبْدِ وَقَدْ أَتْلَفَهَا الْمَوْلَى بِالْقَتْلِ أَوْ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ يَفِ ثَمَنَ الْعَبْدِ بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ كَانَ الْمَوْلَى ضَامِنًا الْفَضْلَ مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهَا فَقَبَضَهَا فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ الْوَكِيلُ قِيمَتَهَا لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ فِي حَقِّ الْبَائِعِ حِينَ قَبَضَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهَا كَالرَّاهِنِ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِاسْتِرْدَادِ الْمَرْهُونِ فَاسْتَرَدَّهُ بِغَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ هَذِهِ الْقِيمَةُ تَكُونُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ أَوْفَى الْعَبْدُ الثَّمَنَ رَجَعَتْ الْقِيمَةُ إلَى الْوَكِيلِ وَإِنْ هَلَكَتْ الْقِيمَةُ مِنْ الْوَكِيلِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ عَيْنِهَا، ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِهَا عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ غُرْمٌ لَحِقَهُ فِي عَمَلٍ بَاشَرَهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي حُرًّا فَوَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهَا أَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهَا فَقَتَلَهَا وَهَذَا فَصْلٌ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ وَبَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِإِنْ يُعْتِقَهَا فَأَعْتَقَهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْبُيُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.